أ.د. محمد الرصاعي
رغم التحديات الجسام والإحباط المخيم على تفاصيل المشهد السياسي في العالم العربي، يبقى جلالة الملك عبدالله الثاني يوقظ في أذهان الجميع شعلة الأمل بمستقبل مزدهر، ويفتح أمامنا أفقاً واسعا للسعي لتكريس الدولة المدنية، المستندة إلى أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، هذه الرؤية الملكية الواضحة لإصلاح الدولة على كافة الصعد، تتصف بأنها تتجاوز جميع الطروحات والتوجهات التي لا زالت قاصرة عن إخراج المنطقة من عنق الزجاجة، وتراوح مكانها بل في كثير من الأحيان تتسبب السياسات والأفكار المتداولة في العالم العربي إزاء بناء الدولة الحديثة بمزيد من التراجع والوصول إلى حدود كارثية جعلت بعض الدول في المنطقة تنتهي إلى حالة الفشل السياسي أو الدولة الفاشلة.
إن الزخم الهائل في الطروحات الملكية يستمد قوته من فعالية مبدأ سيادة القانون في بناء الدولة المدنية وصولاً لتحقيق المواطنة الحقيقية، والتي تعمل كلقاح فعال للتخلص من جميع ما يواجهنا من تحديات وإشكاليات كأفراد ومؤسسات وطنية على كافة المستويات، إنَّ التزامنا جميعاً بمبدأ سيادة القانون هو الطريق الواضح للتخلص من الترهل، والفشل في كثير من الأحيان من مواصلة السير في طريق انجاز تنمية مستدامة يشعر بها المواطنون، وتعمق التزامهم الأكيد بتفعيل القانون وتطبيقه على الجميع.
في هذا الإطار يؤكد جلالة الملك في ورقته النقاشية السادسة أنه يستمد عزيمته من حرصه على تحقيق مستقبل واعد لأبناء شعبه المعطاء، ويضع جلالته المواطن الأردني أمام مسؤوليته في هذا التوجه، فكل مواطن مطالب أن يعبر عن حبه لبلدنا العزيز من خلال احترامه لقوانينه، وأن يكون مبدأ سيادة القانون الأساس في سلوكنا وتصرفاتنا .
جلالته لفت نظر الجميع إلى أنَّ الدولة المدنية ومجتمع المساواة مفاهيم متأصلة في ثقافتنا الإسلامية، بل أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو أول من أوجد على أرض الواقع وفي مثالية عالية مفهوم الدولة المدنية في مجتمع المدينة، وتكريس قيم باتت توصف بأنها قيم عالمية وحضارية، هي بالأساس قيم أصيلة في ثقافتنا وأخلاقنا، وفي مقدمتها المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، هذا التأصيل لمفهوم المواطنة من لدن جلالته كان دائماً موضع اهتمام وتأكيد في جميع اللقاءات والمؤتمرات المحلية والعالمية مدافعاً جلالته عن صورة الإسلام الصحيح، ويزيل كل ما تسبب به الكثير من تشويه لديننا الحنيف، هذا الدور الذي مارسه جلالة الملك مراراً يتوجب على الجميع من الدعاة والمفكرين والأكاديميين ووسائل الإعلام المختلفة المساهمة في تكريسه وتوضيح صورة الإسلام، وأن قيم العدالة والمساواة هي قيم أصيلة في ثقافتنا وليست دعوة لعلمانية أو جلباً لأفكار خارجة عن ثقافتنا وأخلاقنا الحميدة
[email protected]